الأربعاء، 29 أغسطس 2012

ما لايحب أن يسمعه قومي

أنا من الأشخاص الذين يؤمنون بالإختلاف وأؤمن بأن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين لحكمة وهي أن التنوع نوع من الجمال في هذا الكون البيدع و لأننا نعيش في نظام متوازن يقوم كل عنصر فيه بوظيفة معينه تسهم في إستمراريته وتحقيق الغاية التي خلق من أجلها، وتخيلوا لو أن كل الورد لونه أصفر؟!

وقد لاحظت من تجربتي الشخصية المتواضعه أن أحد أهم أسباب تفوق الغرب بشكل خاص في عالمنا اليوم يعود لقدرتهم على توظيف إختلافات الأفرد لديهم لتحقيق هدف سام مشترك وهو تطوير بلادهم و ضمان مستقبل أفضل لابنائهم وذلك لإيمانهم بأنهم بإختلافهم يكملون بعضهم البعض و بأن الإختلاف هو من أهم العوامل المؤديه للإبداع. ومما يحزنني حقا هو أن قومنا (الأردنيون) يؤمنون بعكس هذه النظرة تماما ولذلك قررت أن أكتب هذه المقالة البسيطه لغاية في نفس سليمان سأذكرها في أخر المقال. 

بداية وقبل أن أبدأ بالإستفاضة بالموضوع علينا أن نعلم بأنه بعد إنهيار النظام الشيوعي سنحت الفرصة للدول الرأسمالية لبث فكرها وثقافتها وسياساته في كل أنحاء العالم وقد تأثرت الدول النامية (مثل الأردن) بهذه السياسات وهذا الفكر أكثر من غيرها لضعف قدرتها على مواجهة هذا التيار الجارف والمدعوم بشكل هائل ماديا وسياسيا. وقد أدى تفشي هذا النظام في الدول النامية الى وضع الأولويات المادية في المرتبة الأولى وأصبحنا (في الأردن على سبيل المثال) نسمع أكثر عن أهمية ما يسمى ب"المصالح" و تغير الأولويات والايمان بأن الغاية تبرر الوسيلة ولكن ما أؤمن به (وأترك لكم الخيار في تاييده أو معارضته) هو أن ماحدث ما كان ليحدث دون وجود  ظواهر إجتماعية سهلت هذا التغيير السلبي (بوجهة نظري) ومن هذه الظواهر ما سأذكره تاليا وأرجو أن يتسع صدركم لقرأتها والتفكير فيها بعمق.

ظاهرة العاطفة الجاهلية  


العربي عاطفي بطبعه ولو راجعنا أسوء العادات العربية حتى في الجاهلية مثل "وأد البنات" سنستنتج أنها نابعه من عاطفته الغيورة على شرفه وعرضه والتي جعلته يقوم بجريمة بشعة دون التفكير في حلول أو طرق بديلة وإنما إتباع ما وجد عليه أبائه وأجداده، واليوم (للأسف) لازال قومنا يطبقون ما أسميه العاطفة الجاهلية والتي تعني الجهل المؤدي لتغلب العاطفة على المنطق، فمثلا يقوم الأب بتدريس إبنه أو إبنته الطب ليتفاخر أو كما قال أحد الأصدقاء "يتمظهر" بأنه والد الدكتور أو الدكتورة بغض النظر عن رغبة الأبن أو البنت، فالجهل في هذه الحالة أدى الى تغليب العاطفة على مصلحة الأبن أو البنت، مثال أخر أكثر خطورة (بوجهة نظري) وهو عملية الإنتخاب فكلنا نعلم أن الكثيرون (ولا أقول الكل) ينتخبون المرشح بناءا على درجة القرابة أو المصلحة وليس لكفاءته وقدرته على تمثيلهم وهنا غلبت العاطفة مصلحة أبناء الدائرة الإنتخابية و بالتالي مصلحة الوطن. ولا أدري لماذا أتذكر ما قرأته عن حروب الردة حين قال أحدهم بأن مسيلمة وهو كاذب خير من نبي قريش. أعلم أن البعض قد بدأ يفكر في وجهة نظري بالعشائرية و التي تمثل منظومة إجتماعية رائعة للتكافل الإجتماعي وإعانة الأقارب وهي لم ولن تكن المشكلة في حد ذاتها في أي وقت أو حين وإنما المشكلة في أليات إستخدامها وتطبيقها، وسأبدأ بعائلتي التي تجمعت مع عائلات أخرى من عشيرتنا أو حمولتنا كما يسميها البعض لإنتخاب مجلس إدارة جمعية خيرية حتى لا ينجح أحد من عشيرتين أخرتين!! و السؤال هل يحتاج عمل الخير للأحلاف أم أنها أصبحت "برستيج" يسعى الكل لنيله بناءا على العاطفة الجاهلية؟! لقد أدى إنتشار هذه الظاهرة الى ما يسمى بالمحاصصة و أصبحت تضللنا عن الأولويات الأسمى والأهم والتي إن لم نهتم بها ستؤدي الى عواقب وخيمة في مجتمعنا الحبيب.

 ظاهرة تقديس الماضي


أنا أحترم جميع الأئمة والعلماء والشيوخ لكني لا أؤمن بأن ما يقولونه هو الحق ولا شيء غير ذلك فالله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالعقل ليفكر و يحلل و يتخذ القرارات وليس ليتبع ولو كان علينا أن نتبع دون تفكير لما كان هناك أي داعي للعقل والتفكير، ولكن من وجهة نظر أخرى فإن عاطفتنا الجاهلية وحبنا لأبائنا وأجدادنا ومدرسيينا تجعلنا نؤمن بما يقولونه دون تحليل أو وعي وذلك لأنهم إتبعوهم في الماضي فعلينا اليوم في العام 2012 أن نتبعهم ولكن ماذا لو كانوا مخطئين؟! نعم فهم بشر وليسوا ملائكة و كذلك أباؤنا وأجدادنا كانوا بشرا يصيبون ويخطئون وبوجهة نظري فإن إحترامهم لا يعني إتباع منهجهم وطريقة تفكيرهم بدون فهمها وتحليلها فقد تكون صائبة أو مخطئة، وهنا أنتقل لملاحظتي بأنه في كل مجموعة سواء أكانت عائلة او عشيرة أو منطقة جغرافية يوجد فئة صغيرة هي التي يتبعها البقية (ويمكنني القول أن هذه الفئة عادة هي الأكثر سلطة و قوة مادية) و أما البقية فهم أتباع يكررون ما يقولون ويمشون بمنهجهم دون تفكير وأخطر هذه الفئات في وجهة نظري هي الفئات التي تحرض و تشجع على التفرقات العنصرية والطائفية والإجتماعية لتحافظ على ما هي عليه وليس لأنهم يخافون على مصلحة الجماعه ويمكن أن نقول أن هذه الفئة (الرأسمالية إن جاز التعبير) تشجع دائما على عدم تقبل الأخر وهي الظاهرة الثالثة التي سأبينها تاليا.

ظاهرة عدم قبول الأخر وغياب الحوار

بداية من هو الأخر ؟ ولماذا أصبح الأخر أخرا؟ ألا نتقاطع في كثير من الأمور وأهمها اللغة والدين و حبنا للأردن، كيف أصبح إبناء نفس القرية في أحد المحافظات مختلفين وأصبحنا نسمع ب"هوش" في كل أسبوع بين الجيران والأهل والأقارب؟ 
أليس إختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية؟ لكننا للأسف (الا من رحم ربي) نقدس ما وجدنا عليه أبائنا و تغلب عاطفتنا الجاهلية تفكيرنا فلا نرى الأمور الا من وجهة نظر واحدة، "طيب وبعدين؟!" ماهي الإستفادة التي سنجنيها من هذا كله؟ لماذا لا نتفق كما إتفق سكان أمريكا (ونحن أفضل منهم من كل النواحي) على إستغلال الإختلاف الذي هو أساس الإبداع و التطوير لخدمة وطننا. ما أقوله ليس شعارات رنانة ولكن فكر في مستقبل إبنك وإبني وماذا سيقولون عندما يعلمون بأننا كنا نتهاوش لإختلاف في الرأي على من نشجع من الفرق الإسبانية؟!  
إن أحد مظاهر عدم قبول الأخر أيضا هي عندما يكون الأخر أصغر منك سننا أو أقل مالا أو أقل تعليما أو أن يكون الأخر مبني على جنسه كذكر أو أنثى، و لعل الأخيرة من أكثر ما يغيظني فالذكر له أم ولدته وربته وكذلك الأنثى لها أب سخر كل قدراته لإسعادها وتربيتها وأقول لكل من يفرق أن يتذكروا أهلهم أولا. 
ولعل من أهم أسباب تفشي هذه الظواهر هو غياب الحوار لمعرفة من هو الأخر (هذا إن كان الأخر أخرا)  وكيفية إحترام تفكيره و أسلوبه في الجياة، و الحوار لا يجب أن ينتهي بإنتصار أحد الفريقين كما هو متعارف عليه ولا يقلل من هيبة الشخص إقتناعه بوجهة نظر غيره أو إحترامه لها لكن هل من متعظ؟  

ظاهرة التخوين  

الظاهرة الأخيرة والأخطر هي ظاهرة التخوين نعم يا أعزائي نحن نخون بعضنا وقد يكون البعض قد خونني (والله يسامحه طبعا)عندما  بدأ يفكر وهو يقرأ هذا المقال "طيب سليمان ليش كتب هذا المقال؟"، و بإختصار أريد أن أقول أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى "تصفاية النية" لأنه لا يعلم مافي القلوب الا علام الغيوب ولا يستطيع أي منا أن يشق عن صدر الأخر ويعلم حقيقة نواياه  ولا يمكن أن نربط قول أي شخص بمنصبه أو مكانته الإجتماعية أو بمكانة إبن خالته مثلا أو بكونه ذكرا أو أنثى أو أو أو ... 

إن ما أردته من كتابة هذا المقال هو إبراز ظواهر سلبية ليس لغايات الإنتقاص من مجتمعنا الذي لازال الخير فيه منتشرا ولكن لأني لا أرضى لأردننا الحبيب بأقل من الأفضل ولعلي أستطيع أن أساهم في تطوير بلدي التي أحب و صناعة مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

سليمان شنك 
مواطن أردني

Twitter: SulyWay